عندما يترك الشخص الحياة الواقعية وينبذ العلاقات الاجتماعية، فإن الفراغ في نفسه يتوسع والحاجة الى إشباع الذات والعثور على الإحساس الذاتي والبحث عن الشعور بالذات يكبر، لذلك يحاول أن يوجِد واقعا بديلا تعويضا لما فقده.
صناعة الواقع الوهمي
وهو واقع وهمي يعيش فيه وينعزل في قوقعته لكي بشعر بذاته ووجوده، ويشعر بأنه موجود في الحياة، وينشأ واقعه الوهمي من خلال سلوك الإدمان على شيء او أشياء معينة ومختلفة، وهذا الإدمان يجعله يتوهم الإحساس بالوجود في هذا الواقع البديل أو الواقع الوهمي. نتيجة لشعوره باليأس والفشل وعدم الإحساس بقيمة الحياة، وفقدان الأمل بها.
والشخص الذي يعيش في الواقع البديل يستمر بتكرار عادة سلوكية معينة، لأنه في كل مرة يمارسها يحسّ بعدم الإشباع وبسبب ذلك يحس بالتعب والارهاق لأنه لا يصل إلى الهدف الذي يساعده على الإحساس بوجوده ومشاعره.
هذا التكرار لممارسة السلوك الذي يصبح متوطنا يسمى (الإدمان) مثل الإدمان على المخدرات، حيث يقوم المدمن بابتلاع الحبة المخدرة فيشعر بلذة ونشوة معينة تأخذه هلوساته إلى عالم آخر، فيهرب من الواقع الذي يعيش فيه.
هذا الإدمان يعطيه انطباعا بأنه يعيش في عالم آخر، لكنه حين يفيق من واقع المخدرات يجد نفسه وجها لوجه أمام الواقع الحقيقي، فيتعرض لصدمة ويتعب ويُصاب بحالة الارهاق الشديد، فيكرر هذا السلوك إلى أن يصل إلى الإدمان الدائم، لأن التكرار الدائم يؤدي إلى توطّن هذا السلوك عند الإنسان مثل الذي يتعاطى المخدرات. في بعض الأحيان يكون علاج الإدمان صعب جدا، لاسيما الإدمان على المخدرات والخمر.
الادمان نفسيا
هو شعور وهمي بالارتياح عند استخدام المادة المخدرة او الإدمان على سلوك معين، ويحدث تكرار لإشباع المدمن رغباته، رغبة التكرار في البداية لا تكون قهرية لكن استمرار الرغبة في الحصول على الاشباع يؤدي الى انتظام التعاطي.
سيكولوجية الإدمان تقوم على أساسين، وهو الصراعات النفسية التي ترجع إلى الحاجة إلى الإشباع الذاتي. والحاجة إلى الأمن، والحاجة إلى إثبات الذات وتأكيدها، عندما يحصل المدمن على هذه اللّذة تنتابه حالة من المعاناة والتّعب ما يدفعه إلى البحث من جديد على الإشباع مرّة أخرى..
أشكال أخرى للإدمان
من أسباب الإدمان هو الاكتئاب، مثل ذلك الإدمان على الخمر والإدمان على شراء السلع وتكديسها، والإدمان على شبكات التواصل الاجتماعي إلى حد غريب واهدار الوقت وتكاثر السلوكيات السيئة.
إن شبكات التواصل الاجتماعي تُحبط الإنسان دائما، فهو يبحث عن ملجأ لإثبات وجوده، ويحاول أن يجد نفسه في شبكات التواصل، حتى يصل إلى حد عنيف من التنمر والتسقيط والسب والشتم، فيُصاب بالنتيجة بهوَس غريب في استيطان العالم الافتراضي، وهذا الامر كذلك نجده في الإدمان على ألعاب الفيديو، وبعض الناس يخسرون وظائفهم وأعمالهم لاسيما بعض الشباب نتيجة لإدمانه على لُعبة معينة مثل (البوبجي) التي تغذي الإنسان بالعنف، وتمحو الخط الفاصل بين الواقع الحقيقي والواقع البديل.
الترويج التجاري للإدمان
إن الإدمان أصبح له تجارة رائجة تسوق لها شركات واجندات لايهمها الا الربح واستلاب إنسانية الانسان، فتغرقه في واقع وهمي، تؤدي به إلى مزيد من الاحباط واليأس وتنامي المشاعر السلبية، بالإضافة إلى فقدان الصحة الجسدية.
نحو مليونين و500 ألف شخص يموتون سنويا بالعالم بسبب الخمور، ويتسبب تناول الخمور، بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، في 4% من حالات الوفاة على مستوى العالم سنويا. وقالت المنظمة إن إساءة استخدامه هو ثالث أكبر عامل يهدد بضياع الكثير من سنوات عمر الإنسان جراء المرض والإعاقة، وإنه هو التهديد الأكبر لحياة البشر في الدول ذات الدخل المتوسط والتي يعيش فيها نحو نصف سكان العالم.
نلاحظ أن وباء كورونا وكل الضجة التي أثيرت حوله لم تصل إلى هذا المستوى من الوفيات، أما الخمر فإن تأثيره كبير وخطير.
تقف وراء ترويج الخمر أسباب تجارية وربما اجتماعية، لكن هذا لا ينفي أنه أمر خطير، لأن الخسائر الناتجة من شرب الخمر كبيرة، على الصحة النفسية والجسدية، فتكون تكاليف المعالجة أكثر، بالإضافة إلى أن الكثير من الحوادث المرورية التي تحدث وتقتل الناس، سببها أن السائق كان مخمورا.
حدود التكنولوجيا
كل شيء له حد والخروج عن الحد قد يؤدي الى حرمة هذا العمل، مثال ذلك الإسراف في شراء السلع الذي يعدّ من أنواع الإدمان، (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ)، كذلك تبذير الوقت في شبكات التواصل الاجتماعي، لكن في بعض الأحيان يتم استخدام التكنولوجيا بشكل مفيد وإيصال المعلومة الجيدة والأخبار الصادقة والمعرفة المثمرة.
لكن بعض الناس يستخدمون وسائل التواصل والإنترنيت للمتعة واللهو فقط، وبعض العاب الفيديو تحرّك نزعة العنف داخل الإنسان وتنمي فيه حالة عصبية شديدة، وكان سبب بعض حالات القتل في بعض الدول هو الانغماس في ألعاب الفيديو المحرضة على العنف.
خطورة اندماج الواقع الحقيقي بالافتراضي
الخط الفاصل بين الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي يزول، فيصبح هذان الواقعان واقعا واحدا، فقد يقوم الشخص بممارسة القتل في الواقع الحقيقي نتيجة لتأثير الواقع الافتراضي في ألعاب الفيديو، ومع كل هذه الأضرار الكبيرة نجد أن العالم مستمر بإنتاج ألعاب العنف، دون الاكتراث بالنتائج، لذلك نحتاج إلى توعية في هذا الجانب وكيفية ممارسة وسائل التكنولوجيا والانترنت بشكل جيد، وإلا فإنها سيف ذو حدّين.
أسباب الادمان
هناك أسباب عديدة تؤدي إلى الإدمان، نذكر بعضها مع التأكيد على أن السبب الرئيس للإدمان هو اللامبالاة، لأن الإنسان عندما لا يهتم بحياته بشكل منهجي جيد، سوف يذهب بالنتيجة وراء سلوكيات عشوائية مرضية سيئة ومنها الإدمان.
نقص الوعي
السبب الأول: في حالة الإدمان هو نقص الوعي من مخاطر الإدمان، وهذا النقص يعود إلى عدم الاهتمام بالتربية وعدم تلقي المعلومات الجيدة والتوجيه اللازم، حيث يدخل الإنسان في عالم آخر بحياته دون أن يحصل على التوجيه المطلوب، فالطفل الذي تكون سلوكياته سيئة أحيانا، بسبب أنه لم يوجَّه بشكل جيد كي لايقع في هذا السلوك السيّئ، ولم يحصل على التربية الصحيحة التي تنبّهه على أن هذا السلوك سيّئ، بسبب غياب التوعية والوعي الأسري. وعن الإمام علي (عليه السلام): (إنما قلب الحدث كالأرض الخالية، ما القي فيها من شيء إلا قبلته).
اللامبالاة في اختيار الأصدقاء
السبب الثاني: اللامبالاة في اختيار الأصدقاء، وعدم الاهتمام بمعرفة أصدقاء الشاب أو المراهق أو الطفل، والكثير من السلوكيات السيئة سببها اختيار الأصدقاء غير الجيدين، لأن الصديق الجيد قد يعلّمك السلوك الجيد، والسلوك السيّئ قد يأتي من تأثيرات الصديق السيّئ.
فالطفل الذي يذهب إلى مدرسته ويرى صديقه يدخّن السجائر، سوف يتعلّم التدخين تدريجيا بدفعٍ من صديقه، المراهق أيضا يحب أن يجرب شيئا جديدا في الحياة، لذلك فالصديق السيء قد يوقعه في عالم المخدرات بسبب غياب التوجيه المسبق. وعن الامام علي (ع): (عليه السلام): (صديقك من نهاك، وعدوك من أغراك).
الحوار والتوجيه
الأب لا يسأل ابنه من هو صديقك، ولا يتابعه يوميا، أين ذهب ومن أين جاء، ولا يتكلم معه ويفتح حوارا معه كي ينبّهه على السلوك الخاطئ أو الخطير، في حين يحتاج الابن إلى التوجيهات اللازمة لحمايته حاضرا ومستقبلا، كذلك حين يشعر الطفل أو المراهق أو الشاب بعدم ارتباطه بأسرته، وأن هنالك خللا في داخل أسرته، سوف يستعيض عن أسرته بأصدقاء آخرين، وقد يكون من بينهم أصدقاء سيّئين.
وقد لاحظنا بعض الناس كيف سقط رغم أنه إنسان طيب وصالح بسبب صديق غير صالح، وقد يكون الطالب ناجحا في دراسته، لكنه يصبح فاشلا بسبب رفقته لصديق سيّئ، لذلك على الآباء والأمهات والأسر والمدارس والمعلمين والمرشدين أن ينتبهوا ويشجعون أبنائهم وطلبتهم من الأطفال والمراهقين والشباب على انتقاء الأصدقاء الجيدين، ويوضحون لهم معايير من هو الصديق الجيد ومن هو السيّئ.
الصداقة مهمة في حياة الإنسان فهي التي تقدّم له نموذجا في حياته، والصديق غالبا ما يحب صديقه كثيرا، لكنه قد يسقطهُ في حالة من الإدمان على المخدرات أو الخمور أو على أشياء ثانية.
الانتظام في تحمّل المسؤولية
السبب الثالث: النقص في تحمل المسؤولية، وتعلمها في شكل منتظم أسريا ومجتمعيا، لأنه تعلّم الانتظام في السلوك السيّئ، ويكون جيدا لأنه تعلّم على الانتظام الجيد في السلوك الجيد.
لابد أن نصنع الانتظام الجيد في حياته، ومن ضمن هذا الانتظام، تحمّل المسؤولية، وعندما يتعلّم الطفل على عدم تحمل المسؤولية، ينشأ ضعيفا هشّا، وهذه النتيجة يتحملها المجتمع والمدرسة والأسرة أيضا.
أحد مظاهر عدم تحمل المسؤولية هو الطفل المدلّل، ولكن هناك أطفال غير مدللين لا يتحملون المسؤولية ايضا، لأنهم لم يتعلموا تحمّل المسؤولية، فيعيش مشرّدا في الشوارع، لأنه لا يريد أن يعيش حياة فيها مسؤولية، الهروب من المسؤولية هو سلوك منتظم وثقافة يمكن أن يتعلمها الإنسان. لذلك حين تلاحظ أناسا يشعرون بالمسؤولية، فهذا يدل على أنهم تربّوا على تحمّل المسؤولية، وعلى العكس من ذلك، هناك أناس تربّوا على عدم الشعور بالمسؤولية، بل يعلمه الأب أو الأم على عدم تحمّل المسؤولية، وهذه ظاهرة موجودة بكثرة في المجتمعات المعاصرة، وضياع المسؤولية هو أحد الأمور التي تؤدي إلى الإدمان.
الرفاهية التكنولوجية تنتج الكسل
من الأسباب التي تؤدي إلى عدم القدرة على تحمّل المسؤولية، الرفاهية المنتشرة في المجتمعات المعاصرة بسبب انتشار التكنولوجيا، وهذه الرفاهية التكنولوجية تؤدي إلى الكسل والتراخي والبحث عن السهولة والراحة المجانية، وهذه الرفاهية تؤدي إلى الإدمان، لانه يعيش في عالمه الخاص ومتقوقعا في داخله، بعيدا عن كل شيء فيه مسؤولية واهتمام وشعور بالواقع الخارجي.
الإنسان يجب أن يتعلم المسؤولية منذ الصغر، ولا يقول أنه غدا يكبر ويتعلم تحمّل المسؤولية، وعندما يتعلم الإنسان تحمل المسؤولية وهو طفل أو مراهق سوف تكون لديه ملَكَة او قدرة او سلوك ثابت في هذا المجال، إن التربية تحتاج إلى عملية تعلّم مستمرة، لكن بعض الآباء والأمهات لديهم سلوك متوارَث في عدم الاهتمام بالتربية، وينقلون عدم الاهتمام بالتربية إلى أبنائهم وهكذا.
لابد أن يتعلم الإنسان تعلّم المسؤولية وهو صغير، وهذا الأمر يحتاج إلى ثقافة التربية، لأن التربية عملية صناعة تحتاج إلى عمل وجهد واهتمام كبير، حتى يصنع الأب من أبنائه أناس صالحين في المجتمع، لكن بعض الآباء لا يهتم بالتربية المعنوية، ويعتبر ان دوره فقط هو توفير المال للعائلة من أجل الأكل والشرب والملابس.
لذلك فإن العيش بهذه البيئة تصنع إنسانا هشّا ضعيفا يحب الراحة، ولا يرغب أن يكون في حياته عملا وجهدا وإنتاجا، وسوف نتطرق إلى العمل والكسل في مقالات قادمة.
متلازمة الشعور بالانهزام
السبب الرابع: الشعور بانهزام الذات، والانسحاب من مواجهة التحديات الصعبة، والشعور المترسخ بالفشل، هذا الانهزام الذاتي والبحث عن الحياة السهلة، تجعل الإنسان يهرب من الواقع إلى نحو الإدمان، وهذا الشعور يحدث لأنه يعيش في أسرة ذات تفكير سلبي وفي مجتمع ضعيف، فيحدث اختلال وتفكك في الشخصية وعدم وجود تقدير للذات، وينتج ذلك الشعور بالضعف والانهزام في هذه الحياة.
لذلك يهرب هذا الشخص من التحديات الصعبة، ويبحث عن الأعمال السهلة، بالإضافة إلى إصابته بمتلازمة للشعور بالذنب، فكلما يخطئ أو يُذنب لا يقوم بتصحيح أخطائه، وإنما يستمر بارتكاب الذنوب إلى أن تصبح شخصيته متضعضعة، والشخص الذي لا يتوب ولا يصحح أخطائه ولا يمتنع عن الاستمرار بارتكاب الذنوب، فإنه يقع في دوامة كبيرة من السيئات والذنوب التي تجعله ينسحب ويهرب من الواقع دائما نحو الإدمان. من هنا لابد أن تكون هناك برمجة ذاتية للإنسان في معالجة أخطائه والاستغفار لذنوبه.
جحيم الادمان
إن انهزام الذات من المواجهات الصعبة والشعور المترسخ بالفشل ومتلازمة الشعور بالذنب، يؤدي إلى الانفصام عن الواقع والبحث عن واقع بديل، فلا يستطيع العيش في واقعه الحقيقي ويرى فيه كأنه الجحيم، وهو في اوهامه ينتقل من هذا الجحيم إلى واقع أفضل من خلال الإدمان، لكن الإدمان هو الجحيم الحقيقي، لأنه سيكتشف أن هذا الواقع الجديد لم يحقق له الإشباع الحقيقي، فيذهب إلى واقع آخر وآخر ولا يصل إلى شيء، فتتحول حياته إلى جحيم، وحياة المدمن في الواقع هي الجحيم بعينه.
الطلاق العاطفي
السبب الخامس: الفراغ العاطفي، ولامبالاة الأسرة والمجتمع تجاه الفرد، وتصاعد الشعور بالاغتراب وعدم وجود حقيقي له في هذا الأسرة وفي هذا المجتمع، لاسيما مع تفكك الروابط الأسرية، حيث يتكون انفصال حقيقي وانفصال عاطفي في الأسرة، ويسمى بـ (الطلاق العاطفي)، بمعنى أن الأسرة موجودة والأب والأم موجودان، لكن عدم وجود ارتباط عاطفي بين الزوج والزوجة، وبين الأب والأبناء، وبين الأم والأبناء، يؤدي إلى غياب الرعاية العاطفية والمعنوية والنفسية.
وعندما يريد الأب أو الأم يفرض قوته لتحقيق تماسك الأسرة في غياب الرعاية العاطفية والمعنوية، فإنه يلجأ إلى استخدام أساليب العنف، فيحل العنف بديلا عن العاطفة، وعندما ينمو الإنسان بطريقة العنف بعيدا عن العاطفة فسوف تتكون قسوة في قلبه، وعدم الشعور بالواقع الحقيقي، لأن الإنسان عبارة عن مشاعر تغذيها العواطف، لذلك يفرّ نحو الإدمان بحثا عن البديل العاطفي لاسيما مع أصدقاء السوء.
وفي هذه الحالة يمتلئ المدمن بعاطفة وهمية ولا يحصل عليها من خلال الإدمان، هذا الفراغ العاطفي يعدّ أحد اهم أسباب الإدمان.
الفراغ القاتل
السبب السادس: الفراغ القاتل، من خلال عدم وجود عمل صالح يقوم الشخص بإنجازه، كالرياضة، والأنشطة الاجتماعية، وحضور المجالس الحسينية، والالتزام بالشعائر الدينية والمشاركة في أداء صلاة الجماعة، وزيارات أهل البيت (عليهم السلام)، والمهارات اليدوية التي يمكن أن يقوم بها الإنسان، وتعلّم اللغات المختلفة والمهارات التي تفيده في حياته.
يحدث هذا بسبب عدم وجود الرعاية والاهتمام بالطفل والشاب الذي لا يشعر بوجود شخص يقوده لملء وقتهِ، فهذا الفراغ الذي يعاني منه يدفع به للبحث عن أشياء تملأه، فيلجأ إلى الإدمان، لأن أصدقاء السوء يجتمعون كلّهم في عالم خاص من الفراغ، وعدم وجود قنوات تعطيهم الفرص لملأ واستثمار الوقت بشكل جيد، لذلك يذهب هؤلاء لملء الفراغ بأشياء سلبية وغير جيدة كالإدمان. ويؤدي الفراغ إلى الانحرافات المختلفة، قد تكون أخلاقية والفساد والسلوكيات السيئة.
أهمية الانتظام التربوي
السبب السابع: غياب الأهداف في الحياة، والشعور بعدم وجود أفق نحو المستقبل، وانتشار البطالة والفقر واليأس والشعور بعدم وجود فرص في الحياة، والكسل والتذمر والتبرير، كل هذه العوامل تتمحور حول غياب الأهداف التي تنشأ من عدم انتظام التربية، لأن انتظام تربية الإنسان تجعله ينمو بشكل طبيعي في عملية تكامله وتجانسه إلى أن يصل إلى تكوين أهداف صالحة في حياته، وعندما تغيب الأهداف يغيب الشعور بالأمل ووجود أفق جيد في الحياة، بل يمتلئ باليأس لاسيما إذا كان يعيش في بيئة غير صالحة.
في بعض الأحيان تؤدي البيئة غير الصالحة إلى غياب الأهداف عند الإنسان وعدم قدرته على تحقيقها، فليس جميع الناس تتوفر لديهم إرادة قوية، وهذا الأمر يحتاج إلى برمجة ذاتية منذ الصغر، لكي يتحمّل الإنسان اختياراته في الحياة ويتحمل مسؤولية ذلك، والتربية الصالحة، والانضمام إلى السلوك الإيجابي المتكرر.
كل هذه الأمور مهمة في بناء الإرادة الصالحة، لكن القابليات والمستويات تختلف عن بعضها، فبعض الناس يتربون على الأشياء السهلة في الحياة فلا يستطيع مواجهة التحديات الصعبة، لذلك يبحث عن الأشياء السهلة والمهن البسيطة، ولكن البحث عن مهن صعبة التي تحتاج إلى سنوات طويلة من الجهد والصبر والتحمل والإرادية هي التي قد تحقق النجاح، فالفشل والنجاح يعتمد على البرمجة الذاتية للإنسان، وغياب الأهداف في الحياة، يوقعه في الإدمان لأنه يشعره بالضياع والتيه وعدم الجدوى.
الذات المادية تصنع الذات الوهمية
السبب الثامن: غياب الوجود المعنوي وطغيان الذات المادية التي تصنع الذات الوهمية، لأنها غير قادرة على تحقيق الإشباع الحقيقي، فاللذة المادية الوهمية تقود الإنسان دائما نحو الإدمان بشكل أكبر، لأن المدمن عندما يريد أن يحصل على اللذة فيمارسها، وعندما تنتهي هذه اللذة يشعر بالاكتئاب الشديد، فيحاول أن يكررها.
بعض الناس يدخن علبة واحدة من السجائر يوميا، وبعضهم يدخّن علبتين، وبعضهم أكثر لأنهم لا يشعرون بالإشباع، بعضهم يدخن السجائر بشكل متواصل سيجارة بعد أخرى، يحدث هذا بسبب الذات الوهمية وغياب الوجود المعنوي الذي سنتطرق له في مقالات لاحقة.
إذا قامت الأسرة بتربية الأطفال على الوجود المادي لن يتحقق لهم الإشباع، لأن اللذة المادية لاتُشبع الإنسان، وقد يصبح نهماً في تناول الأكل ليغطي حاجته الجسدية، أو يقع في اشكال أخرى من الإدمان الخطرة.
مخاطر التمحور حول الذات
النقطة التاسعة والأخيرة: تمحور الذات حول نفسها والابتعاد عن العلاقات الاجتماعية، وعدم التفاعل والتواصل والتسامح والتعايش مع الآخرين، وعدم الاعتراف بهم ولا بوجودهم، فهو يكوّن عالم خاص به يعيش فيه، حياة خاصة به متمحورة حول نفسه، في حين ان الوجود الحقيقي للإنسان ينبع من وجوده مع الآخرين وحاجاته الاجتماعية.
وعندما يعتقد الإنسان بأنه لا يحتاج المجتمع، ولا يحتاج للآخرين، فإنه سوف يفشل، لأن بناء الحياة يحتاج إلى عمل وتسامح وتغاضي وتغافل وتعاون وتكافل وتفاعل وتكامل، لكن بعض الناس لديه أنانية عالية تدفع به للعيش في عالمه الخاص الذي قد يقوده نحو الإدمان بسبب غياب الحاجات الاجتماعية.
عندما يكون المجتمع صالحا والعلاقات الاجتماعية لأفراده مترابطة، فإن الإدمان سوف يكون قليلا، وكلما يتفكك المجتمع ويتجه نحو الانعزال واللامبالاة، تنتشر فيه حالة الادمان بشكل كبير.