توجد معادلة معروفة لها علاقة بحياة الناس، هذه المعادلة أحد طرفيها هو الحصول على شيء ذي فائدة، والطرف المقابل فقدان شيء ذي فائدة أيضا، بمعنى لا يمكنك الحصول على شيء مفيد إذا لم تخسر شيئا مفيدا، ولا أعرف ما فائدة أن نستفيد من شيء أو عمل أو خدمة معينة، ثم في نفس الوقت نفقد شيئا أو عملا معينا كان مفيدا لنا.
هل يوجد مثال فعلي واقعي على ما ذكرناه في أعلاه، أي هل هناك ما يثبت أننا نكسب شيئا مفيدا وفي نفس الوقت نفقد شيئا مفيدا، الجواب نعم، يمكن أن نعثر على مثال عن ذلك موجود في واقعنا اليومي، يتجسد هذا المثال بالحصول على خدمات معينة مقابل فقدان الرزق!!
تُرى أيهما أفضل للناس، أن يحصلوا على خدمات هي حق من حقوقهم، في مقابل فقدانهم لأرزاقهم، أم الأحسن هو أن يحتفظ برزقه في مقابل تنازله عن الخدمات التي تعدّ من حقوقه المكفولة كما يُفترَض؟
لنشرح المشهد الذي يجسد هذه المعادلة بشكل دقيق، وهي معادلة أن تحصل على خدمات هي من حقك، لكن في نفس الوقت عليك أن تفقد رزقك اليومي، وهذا يعني أنك سوف تكون وعائلتك أيضا تحت تهديد فقدان المورد المالي الذي يبقيكم على قيد الحياة!!
من الخدمات المقدمة للناس مثلا، تبليط الشوارع، وهذا عمل مهم وعصري ويحتاجه الناس نفسيا وعمليا، فحين أرى مدينتي منسقة نظيفة بشوارع مصمَّمة بشكل معاصر وجميل، سوف أشعر بالزهو، وهو شعور نفسي لا يدانيه شعور آخر، وسرعان ما أقوم بمقارنة مدينتي مع مدن الدول الأخرى، ثم أشعر بالأمل أن هناك من لا ينسى حقوق العراقيين بمدن عصرية نظيفة، وشوارع مصممة وفق أحدث التصاميم العالمية.
وما يسر القلوب أكثر تلك الإنارة البديعة التي تنعش النفوس وتُفرح القلوب، وتجعلنا نشعر بأن الكهرباء كافية وافية، وأننا نعيش كما تعيش الدول الأخرى في ظل خدمات متكاملة تحترم كرامة الناس، وتحافظ على حقوقهم بالعيش الكريم.
ولكن دائما هناك شيء نفقده في مقابل شيء مهم نحصل عليه، ولا أدري هل هذه المعادلة (الحصول والفقدان) موجودة في العراق فقط، أم أن البلدان والشعوب الأخرى تعاني منها.
وقد يسأل سائل ما هو الشيء يفقده الناس في مقابل تبليط شارع؟
الجواب يمكن أن نوضحه بالتالي، نظرا لانتشار البطالة بين الناس، وبلوغ نسبتها مستويات عالية لأسباب معروفة للجميع، فقد عمدت عائلات كثيرة إلى الاسترزاق من بيع الخضروات والمواد الغذائية واللوازم الأخرى عبر (بسطيات أو جنابر) صغيرة تنصبها على أرصفة الشوارع، لكي تبيع معروضاتها على السيارات المارة في هذه الشوارع غير المعبدة.
بالطبع تبليط الشارع إجراء مهم ومطلوب، وإذا كان مبلطا ولا يسع لمرور السيارات، فيجب توسيعه وتصميمه بشكل معاصر، وهذا ما يحدث في المدينة التي نسكن فيها، وهو فعل يُشكَر عليه من يبادر إلى هذه الخدمات الجيدة.
ولكن المشكلة أن جميع باعة الخضر والجنابر والبسطيات الأخرى يفقدون أرزاقهم، فتصبح فائدة خدمة تعبيد الشوارع مؤذية أكثر من كونها مفيدة، فما فائدة أن أحصل على شارع مبلط نظيف ومعاصر وبطني خاوية وأطفالي يتضورون جوعا والمذلّة تكسو وجوه الجميع؟؟
السؤال الآخر لماذا تحدث هذه الحالة؟، أي لماذا يحصل المواطن على خدمة مهمة وجيدة، ويكون مضطرا لفقدان فائدة أهم وهي تتعلق برزقه اليومي؟
الجواب واضح ومعروف أيضا، فالمسؤول الذي يبادر بتبليط الشوارع لإظهار المدينة بمظهر معاصر، ويقدم خدمة جيدة للناس، كان عليه أن يفكر قبل مبادرته هذه بتوفير بدائل صحيحة ومناسبة لأصحاب الجنابر والبسطيات الذي سيغادرون أماكنهم عند الأرصفة حال بدء عمليات التبليط، وهذا ما حدث بالفعل وأفقد الكثير من الباعة أرزاقهم اليومية.
الإجراء الصحيح هو توفير أماكن بيع مناسبة وصحيحة لهم، وتوزيعها عليهم في مجمعات مصممة كأسواق شعبية، وبعد التأكد من أن الجميع عثر على مكان بيع مناسب له، وحل مشكلة فقدان الأرزاق، يمكن الشروع بأعمال التبليط وتقديم الخدمات الجيدة والمهمة من دون أن تقابلها أضرار صعبة لها علاقة مباشرة بأرزاق محدودي الدخل والكسبة اليوميين.
نحن هنا نشكر المسؤولين على مساعيهم في تقديم الخدمات الجيدة والصحيحة والمهمة لتطوير حياة الناس، ولكن يجب أن لا يتم ذلك على حساب حرمانهم من الرزق اليومي الذي يؤمن لهم طعامهم ومشربهم ومسكنهم، أما أن نبادر كمسؤولين بتحقيق هدف جيد يضر الناس، فهذه العملية لا تختلف عمّن يبني بإحدى يديه ويهدّم ما يبنيه باليد الأخرى.
في الختام لابد أن أذكر بأن ما دفعني لكتابة هذه الكلمات، معايشتي اليومية لمعاناة الباعة من جهة، وشكواهم المستمر من فقدان أرزاقهم، لكنني والحق يجب أن يُقال، حين أرى العمل الحثيث في تبليط الشوارع أكاد أنسى معاناة الكسبة، ومع ذلك من الحريّ بالمسؤولين أن يتحملوا مسؤولياتهم جيدا، وأن لا يقدموا لنا خدمة بيدهم اليمنى ليأخذوها منا بيدهم اليسرى.