وحتى في الاحوال الاعتيادية لم تنجز وتقر الموازنات العامة ضمن التوقيتات المحددة نتيجة للصراع السياسي بين الكتل والاحزاب السياسية على مغانم ومكاسب الموازنة العامة من عقود ومشاريع وامتيازات خاصة.
ويعيق تأخر تشكيل الحكومة بعد أكثر من ستة أشهر على الانتخابات النيابية امكانية اقرار الموازنة العامة قريبا، خصوصا مع الانسداد السياسي واتساع فجوة التوافق والثقة بين الكتل والاحزاب السياسية في العراق.
في هذا الوقت دفعت حكومة تصريف الاعمال بمشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية الى مجلس النواب الجديد بحجة تأمين الامن الغذائي ودعم التنمية. وقد اجتهد مجلس النواب في قراءة مشروع القانون قراءة أولى وثانية خلال ايام في محاولة لتعجيل اقراره سريعا وبشكل يثير الغرابة والقلق، خاصة مع وجود العديد من التحفظات القانونية والاقتصادية التي تثار حول مشروع القانون المذكور لعل اهمها:
1- سهولة الطعن بقانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية في المحكمة الاتحادية، نظرا لعدم جواز تشريع القوانين من قبل حكومة تصريف الاعمال الى حين انتخاب حكومة جديدة بصلاحيات كاملة، كما لا يستطيع البرلمان تقديم مقترحات قوانين فيها جنبة مالية بحسب قرار المحكمة الاتحادية.
2- لا توجد موجبات ملحة لإقرار القانون المذكور نظرا لعدم خطورة الامن الغذائي بالشكل الذي تم تصويره سياسيا واعلاميا لتمرير القانون. كما ان الصرف جاري ومؤمن بنسبة (1/12) من المصروفات الفعلية للنفقات الجارية مما يُمكن الحكومة من تامين احتياجات البلد من القمح وبعض المواد الغذائية لسنوات قادمة بشكل مريح.
3- تنص المادة (2) من مشروع قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية على انشاء حساب بمقدار (25 ترليون دينار) ومنح صلاحية الاقتراض الحكومي بمقدار (10 ترليون دينار) لدعم الحساب. وبذلك يكون اجمالي رصيد الحساب قرابة (35 ترليون دينار). ووفقا للمادة (3/اولا) من القانون تخصص نسبة (35%) من الحساب المزمع انشاءه لتمويل البطاقة التموينية وشراء محصولي الحنطة والشلب من الفلاحين. أي أكثر من (10 ترليون دينار)، وهو مبلغ يعادل (10) اضعاف تخصيصات البطاقة التموينية ومستحقات الفلاحين في الموازنات السابقة.
4- تشير المادة (2/ثالثا) الى امكانية تمويل حساب دعم الامن الغذائي والتنمية والتحوط المالي وتخفيف الفقر عن طريق القروض الداخلية والخارجية وبما لا يزيد عن (10) ترليون دينار باقتراح من وزير المالية وموافقة مجلس النواب. في حين يفترض ان توجه الوفرة المالية المتحققة نتيجة تحسن الاسعار والايرادات النفطية في تسديد الدين العام الداخلي المقارب لـ (70) ترليون دينار والدين العام الخارجي المقارب لـ (26) مليار دولار، خصوصا مع استمرار تحسن الايرادات النفطية بما يفوق مصروفات الحكومة وفق قاعدة (1/12) من إجمالي المصروفات الفعلية للنفقات المالية للسنة السابقة.
5- تفصح حسابات وزارة المالية النهائية للمصروفات الفعلية عن صرف قرابة (12) ترليون دينار فقط من التخصيصات الاستثمارية البالغة (29) ترليون دينار في موازنة 2021. مما يعني ضعف قدرة المحافظات والمؤسسات الحكومية على تنفيذ الخطط والمشاريع الاستثمارية رغم توفر التخصيصات المالية اللازمة خلال العام 2021. في حين يخصص مشروع الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية نسبة (35%) من رصيد الحساب المزمع اقراره، أي ما يقارب (10 ترليون دينار) لدعم المشروعات المتلكئة، وهو مبلغ ضخم لا حاجة له في ظل استمرار عمل المشروعات الحكومية وفقا المادة (13/ ثانيا) من قانون الادارة المالية (6) لعام 2019 والموضح في الفقرة اللاحقة.
6- لا داعي لتشريع قانون بديل للموازنة الاتحادية نظرا لما تنظمه المادة (13) من قانون الادارة المالية رقم (6) لسنة 2019 من عمليات صرف في حال تأخر اقرار الموازنة والتي تشير الى اتخاذ الاجراءات الاتية:
اولا: الصرف بنسبة (1/12) فما دون من إجمالي المصروفات الفعلية للنفقات الجارية للسنة المالية السابقة بعد استبعاد المصروفات غير المتكررة، على أساس شهري ولحين المصادقة على الموازنة العامة الاتحادية.
ثانياً: الصرف من إجمالي التخصيص السنوي للمشاريع الاستثمارية المستمرة والمدرجة تخصيصاتها خلال السنة المالية السابقة واللاحقةً حسب الذرعات المنجزة او التجهيز الفعلي للمشروع.
ثانياً: الصرف من إجمالي التخصيص السنوي للمشاريع الاستثمارية المستمرة والمدرجة تخصيصاتها خلال السنة المالية السابقة واللاحقةً حسب الذرعات المنجزة او التجهيز الفعلي للمشروع.
ثالثاً: في حال عدم اقرار مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة مالية معينة تُعد البيانات المالية النهائية للسنة السابقة اساسا للبيانات المالية لهذه السنة وتقدم الى مجلس النواب لغرض اقرارها.
7- يعرقل هذا القانون فرص استغلال الفائض المالي المتوقع في انشاء صندوق سيادي متعدد الاهداف (استقرار، استثمار، اجيال، اطفاء ديون). بدلا من ذلك، يراد تبديد الفائض المتوقع تحققه نتيجة تحسن الايرادات النفطية ضمن قنوات صرف جديدة خارج اطر الرقابة والتدقيق التي ينظمها قانون الموازنة وقانون الادارة المالية رقم (6) لعام 2019، مما يزيد من مخاطر الهدر والفساد للمال العام، خاصة في ظل اضطراب عمل مجلس النواب والحكومة ودخول البلد في فراغ دستوري ومستقبل مجهول.
8- يرجح ان يكون اقرار قانون الامن الغذائي والتنمية بديلا مقصودا لمشروع الموازنة الاتحادية 2022، مما يعطل المصالح الاقتصادية والمالية للدولة والجمهور ويبطء من حركة البناء والاعمار وتنفيذ الخطط الاستثمارية الكبرى.
Tags:
اقتصاد