التفكير أعظم السمات الانسانية التي تميزه عن جميع خلق الله، وعبره يسمو الانسان الى منازل الملائكة او يهبط الى مستوى البهائم، هذا في السياق الطبيعي اما حين يفرط الانسان في التفكير ويجهد نفسه في صغائر الاشياء وكبائرها فهذا يعني ان ثمة خلل يحصل لدى الانسان ويتسبب في انهيار الصحة النفسية له وهو ما يعرف بمرض (التفكير المفرط) او (الافراط في التفكير)، وهذا الذي نخشاه ونعمل على تفاديه وتحاشي اضراره واثاره الوخيمة في حياتنا.
يعرف علم النفس التفكير المفرط بأنه "أحد الاضطرابات العقلية التي تجبر الشخص على المبالغة والمغالاة في تحليل كل ما يدور من حوله بشكل يُشعره في بعض الأحيان بأن رأسه يكاد أن ينفجر من كثرة التفكير".
هذا الامر يجعل من رأس الانسان يعمل وكأنه اسطوانة مستمرة بالدوران او كراديو يعمل على مدار الساعة، والمشكلة ان العقل يدور في دائرة مغلقة من الأفكار التي لا يستطيع تجاوزها أو الخروج منها الى الحد الذي يجعل الانسان يشعر في بعض الأحيان بأنه لم ينم الا قسط ضئيل سيما في الليل.
منذ ان كنت صغيراً كان لعمي الاكبر الذي يسكن معنا في نفس المنزل صديق يزوره بين الحين والآخر، في مرات عديدة حين ينشغل تفكير عمي بأمر معين كان يقول له (لا تفكر لها مدبر) رغم كون الرجل بسيطاً لكنه حكمته هذه اعتبرها منهج حياتي واعي جداً رغم عدم ادراكنا لقيمتها آنذاك وجهلنا لقيمة الكلام لكن الآن بدأت أثمن هذه العبارة التي تدعو الانسان الى عدم المبالغة في التفكير الذي يرهق الانسان نفسياً وينعكس بعد ذلك عليه جسدياً.
ماذا يترتب على الافراط في التفكير؟
عبثاً يشغل الانسان نفسه في التفكير المفرط فيما سيحدث في المستقبل القريب والبعيد، فرغم كون التفكير في المستقبل والتخطيط له امر مطلوب بل ضروري غير ان المبالغة في ذلك لا يوجد ما يبرره لكون هذا النوع يفسد على الانسان متعة الحاضر وقد لا يقوى على الحصول ما خطط له وبذا اضاع الاثنين حاضره ومستقبله.
ومن النتائج الطبيعية التي تنتج من الافراط في التفكير هو الميل للتفكير السلبي الذي يدفع الشخص إلى الشعور بمشاعر سلبية والانزلاق إلى أشكال غير صحية من التفكير مثل القلق والاجترار والهوس، وقد يؤدي الامر الى فقدان التركيز وانعدام تقبل الحياة وبالتالي العيش مكتئباً انعزالياً غارق في الوهم لا يعرف مصيره ولا يعرف الخروج من ازمته النفسية التي تحرقه يوما بعد آخر.
اود الاشارة الى امر ضروري وهام وهو ان استهلاك الانسان لوقت كبير في التفكير ليس مذموما في جميع الحالات فقد يحصل ان يغرق الانسان في التفكير في تعلم مهارة معينة او حل لغز او مسألة رياضية او تحليل موقفاً معيناً للتعلم من أخطائه، وهذا نوع من أنواع التفكير الصحي الهادف بل هو ضرورة يحتاجها الانسان وبدونها يتحول الى قطعة معدن ذات قيمة بسيطة.
كيف نعالج الامر؟
لنعالج او نحد من مشكلة التفكير المفرط والتغلب على اثاره المدمرة نقترح على المصابين به اتباع الاتي:
ضرورة ان يفكر الفرد المصاب بهذا النوع من التفكير في حاضره وترك الانجراف نحو الماضي او القلق بشأن المستقبل فلك رب يسير الامور ويقدرها افضل تقدير وهو العليم بشؤون عباده فلا داعي لما تفعله بنفسك، كما من الاهمية بمكان ان يستبدل التفكير غير المجدي بتفكير اكثر انتاجية يساهم في حل المشكلات والاتيان بجديد معرفي.
ونقترح عليك عزيزي المتعب من التفكير ان تتعرف على الامور التي تدفعك للتفكير بهذه الكيفية غير المريحة ومحاولة تجنبها قدر الممكن عبر قمع الفكرة التي توصلك الى هذا المستوى من الارهاق، ومهم جدا ان يحاول الانسان الهاء نفسه بهواية معينة او رياضة تجنبه التفكير المفرط الذي هو دوامة تجذبه نحو المزيد من الأفكار التي يمكن أن تتسبب في تدهور صحتك العقلية إذا لم يستطع التوقف ولات حين مندم.