ما زال الحديث عن الانغلاق في مسارات العملية السياسية يطغى على مواقع التواصل الاجتماعي، معضلة من يوصفون بالنخب والكفاءات المندمجين بتغانم مصالح السلطة يكثرون الحديث عن أهمية العودة الى ذات الحالة التوافقية التي تحافظ على حقوق المكون الأكبر باعتبار ان واقع العملية السياسية لا يسمح بالانعتاق من آثام مفاسد المحاصصة وفشلها المتواصل طيلة عقدين ماضيين، وهناك من يؤكد ان الواقع الإقليمي والدولي يبقى مؤثرا بقوة على المشهد السيادي في عراق الغد المنظور مما يتطلب الإبقاء على ذات النموذج المشوه لهذه المفاسد بعنوان المحاصصة لتغانم السلطة.
مقابل ذلك ما زالت الأغلبية الصامتة تتفرج بانتظار الفرج وتهضم صعاب المعيشة اليومية فيما كبار قيادات الأحزاب والكتل البرلمانية تذهب الى تحليل عودة هذا او ذاك من الشخصيات العشائرية او السياسية ومدى تأثير عودتهم على المشهد العام لتشكيل حكومة مقبلة او الإبقاء على حكومة طوارئ لتصريف الاعمال لعل وعسى تنتهي الى إعادة الانتخابات البرلمانية نهاية العام المقبل.
في كل هذا المشهد المتضارب ومتعدد الأطراف، يظهر السؤال المغيب... ما مصلحة الناخبين من ديمومة هذا الانغلاق؟؟
الجواب على هذا السؤال الازلي ما بعد 2003 يجسد حقيقة التنمية السياسية الضائعة وسط اهوال تضارب المصالح الحزبية وعدم قدرة القيادات العراقية التعامل مع بناء دولة ومغادرة تغانم السلطة، مرد ذلك ان جل هذه الأحزاب لم تكن ولن تكون أحزابا وطنية تخضع اجنداتها لهوية عراق واحد وطن الجميع وما زالت تتعامل مع الحالة العراقية بكونها مجرد تطبيق فج لأجندات ترتبط بمصالح إقليمية ودولية حولت العراق الى ساحة تصفية حسابات ليس للمواطن/ الناخب فيها أي مصلحة والانكى من ذلك ان الكثير من هذه الأحزاب ما زالت تروج لمصالح هذا الطرف الإقليمي او ذاك الدولي على حساب مصلحة المواطن/ الناخب بل والاتعس ان قادة هذه الأحزاب يتساءلون في مجالسهم الخاصة عن أسباب عزوف الأغلبية الصامتة للمشاركة في الانتخابات الأخيرة او حتى المقبلة!
واقع الحال ان الكثير من هذه الأحزاب تمتلك مفاتيح المال السياسي والسلاح خارج اطار الدولة هكذا ظهر مصطلح الحكومة العميقة او حالة اللا-دولة، ولكنهم يعرفون الأبواب المطلوب الدخول منها لحث الأغلبية الصامتة للمشاركة في الانتخابات المقبلة او التعامل الواعي مع عملية دعم بناء الدولة من خلال طرح برنامج عمل واقعي للحكومة التي لم نر لها ظهور حتى اليوم، بعد ان غيبت إرادة الناخبين بتأجيل تسمية رئيس الجمهورية طيلة المدة الماضية بهذا العنوان او ذلك المبنى، فانتهى الحال الى نموذج من الانغلاق الذي يعبر عنه في تصريحات تلفازية او بيانات حزبية وحتى عبر التغريدات على توتير!!
الاختلاف بين مفاتيح القيادات الحزبية وابواب مصالح المواطن/ الناخب بحاجة الى إجابات حقيقية عن تلك الرؤية المطلوبة لحوكمة العملية السياسية إطلاق نموذج عراقي قائم على بيان رؤية مستقبلية تتفق عليها هذه الأحزاب، لو ارادت، لعراق 2040 او 2050، ووضع هذا الرؤية ضمن البرامج الحزبية ومن ثم البرامج الحكومية وليتنافس المتنافسون بعنوان عريض لعراق واحد وطن الجميع الهدف منه الارتقاء بالتنمية المستدامة لوطن بات يدرك فيه حتى غير المتخصص انه يواجه مستقبلا حذرا لعدة أسباب لعل ابرزها التغيير المناخي، وشحة المياه، وضياع فرص الزراعة، والاحتمالات المفتوحة لتحول العالم الى الطاقة النظيفة مما يجعل النفط في مستقبل منظور ربما ارخص من المياه التي غيبت بسبب سوء ادراك المتصديين للسلطة طيلة هذين العقدين لحقائق المستقبل، وكم ندوة عقدت وعدد كبير من الأوراق البحثية التي شددت على هذه الحقائق فيما القوم غير القوم في ادراك الأخطاء والخروج من شرنقة الاجندات الإقليمية والدولية.
مصفوفة الحلول واضحة وصريحة ومباشرة، ظهرت في استطلاعات الراي العام، التي اكدت ان وعي جمهور الناخبين اعلى وأكثر وطنية من قيادات أحزاب ترتضي أوامر إقليمية ودولية وتضارب مصالح مع أبناء الوطن الواحد، هل سيكون هناك ثورة وعي تجعل المفاتح الصحيح في الباب الاصح ربما ولعل وعسى ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!